زيارة العتبات المقدسة


تصعد ضجيج إعلامي صاخب في بعض المواقع الإلكترونية وأيضا مواقع التواصل الاجتماعي حول خبر تسيير بعض من الطائرات السعودية إلى مدينة النجف!! .

وكما هي العادة تختلط الأوراق لدينا بين الممارسة الإدارية والمتطلبات المدنية مع الحواجز الأيدلوجية والتشنج الفكري (الشق الطائفي منه).

فالخطوط الجوية هي محض ناقل جوي تنحصر مهمته في نقل الركاب من مكان لآخر، دون أن يطلب منهم على مدخل الطائرة أن يشقوا عن صدورهم لتُعرف ولاءاتهم.

الناقل الجوي مهمته أمن الركاب وسلامتهم، وتسيير أسطول ناجح اقتصاديا إلى أي مكان طالما هناك ركاب يريدون الذهاب إليه، وعلى حد علمي أن لدينا سفارة موجودة في العراق، وحتما هناك على مدار العام قاصدو عمرة وحجاج سيقصدون الديار المشرفة، فما المأخذ في تسيير رحلات جوية إلى النجف إذا كان هناك من يود الذهاب هناك وتمثل بدورها خطا نشطا؟

وهي رحلات إن لم تقم بها الخطوط السعودية ستختطفها إحدى الخطوط الجوية الخليجية الشابة الذكية التي لم تكتسح سوق الطيران الخليجي فقط بل العربي، تلك الخطوط الذكية التي تدير أسطولها بذكاء وتعرف كيف تفتح مسارات جديدة وترفع من أرباحها دون التورط باللغو الأيدلوجي والطائفي.

ولم أسمع عن أحد يغضب ويتشنج وينبري للتنديد بسبب شروط السلامة في خطوطنا، أو عبث المواعيد، أو قلة المسارات لمدن العالم مقارنة بعمر الخطوط السعودية لكنهم ضجوا حينما قيل إن هناك خطاً للنجف!! بينما قوانين (الأياتا) لاتمنع السفر فوق بلدان لأن لها توجها طائفيا معينا بل يهمها جودة الطائرات وسلامة الركاب والالتزام بقوانين السلامة.

كيف يتداخل لدينا الإداري مع الطائفي وينزلق في منزلقات عاطفية محتدمة وبشكل من الممكن أن يجهض الكثير من المشاريع الاقتصادية الناجحة ؟

كان بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في ذروة توتر الأجواء بينهما أثناء الحرب الباردة، خط أحمر ساخن ما بين الكرملين والبيت الأبيض، فطبيعة التوازنات والتحالفات حتى بين الأعداء تحتم أن يكون هناك أرضية من الحوار.

والسياسة هي فن الممكن ولا توجد قطيعة دبلوماسية بين بلدي جوار، فعمقهما الاستراتيجي يحتم أن يكون هناك دوما دروب سالكة.

وماذا إذا كان هناك رحلات جوية للعتبات المقدسة ؟ لدينا مواطنون يذهبون إلى هناك كجزء من ممارستهم الدينية، وأمر صوابهم من خطئهم موكل لربهم، لاسيما أنه صراع تاريخي طويل صنع انشطارا في بنية الفكر الإسلامي منذ بواكيره، وأوراق كتاب التاريخ لدينا مدماة بتبعات ذلك الصراع، لذا فحل التعايش والقبول هو الحل المدني، وهو الأساس الذي تقوم عليه الدولة المدنية الحديثة التي يتساوى المواطنون تحت رعايتها في الحقوق والواجبات.

ولكن أن نسلم قراراتنا للأبواق المؤدلجة الصاخبة المحتقنة بالتشنج الطائفي فلن ننتهي، فهي أبواق تمتلك أجندتها الخاصة التي تتضمن تصعيد نبرة التوتر الطائفي الملوث للفضاء الوطني.

ومع الأسف استعملت قضية التجسس التي اكتشفت لدينا مؤخرا، وتورط بها مجموعة محدودة من الأفراد لتأجيج الصراع الطائفي الوطني، وبالتالي تلك القضية (على المستوى الشعبي) صعدت تيارا عارما اكتسح البناء الوطني الهش الذي يؤسس لمفهوم التعايش ضمن أطر التسامح والقبول في التعددية.

هناك تصعيد طائفي في المنطقة، وهناك أصوات متشنجة وشرسة تحاول أن تستثمر السياسي على حساب الوطني، وهناك أصوات يهمها أن تجلب التوترات الطائفية في العراق وفي سورية إلى مقدمة المشهد السياسي، رغم أن الطائفية برميل بارود من الممكن أن يشعل المنطقة ويقودها إلى مهالك مستنزفة لطاقاتها ومقدراتها ومستقبل أجيالها.

الوضع يحتاج إلى الحكمة والتعايش وعدم السماح للصوت المتشنج أن يحتل المشهد..


أضف مشاركة  طباعة

انشر (زيارة العتبات المقدسة)

Post to Facebook Post to Twitter Post to Google+ Post to Digg Post to Stumbleupon Post to Reddit Post to Tumblr

أضف مشاركة

الاسم
البريد الإلكتروني
نص التعليق
الكود الأمني
 

كلامهم نور

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "رحمة الضعفاء تستنزل الرّحمة"

التقويم الهجري

19
رمضان 1445

مواقيت الصلاة

الفجر 04:17
الشروق 05:34
الظهر 11:45
المغرب 18:10